بسم الله الرجمن الرحيم
و صلى و السلام على من لا نبي بعده ، وبسمه تعالى نبدء
.... هكذا خلق الله سبحانه الإنسان يكره الموت و أقل مراتب الكراهية أنه لا يفضله على الحياة ... وفي معنى كراهية الموت يقول تعالى في الحديث القدسي :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه :
"وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن وفاة المؤمن لأنه يكره الموت و أكره مساءته"
{أخرجه أحمد و الحكيم و الطبراني و أبو نعيم }
. . . ولكي يعمر الكون و يزخر بالحياة فقد غرس الله سبحانه في الإنسان حب الحياة و التمسك بها . . و جعل الله سبحانه من حكمته بين يدي الإنسان ما استخلفه فيه و ملّكه إياه في الدنيا من الرزق و الولد ، ليزداد تمسكًا بالحياة و يعمل فيها و يسعى في جنباتها استكمالاً لرزقه و وسعيا من أجل ولده ، وقد جعل الله سبحانه هذا السعي قهرًا على الإنسان ، بحثًا عن طعامه و تأمين مأوىً له يقيه من حر الصيف و برودة الشتاء ، و يسعى على جسده من أن يصيبه أذى أو علة أو مرض . . وفوق هذه الغريزة جاءنا التوجيه النبوي الشريف أن نتمسك بالحياة الدنيا و نسعى لها دون يأس أو حزن أو غم .
-عن ابن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) :"إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيله فإن استطاع أن يغرسها فليفعل"
{رواه أحمد في مسنده رقم الحديث 13048}
ومع هذا الدفاع الغريزي عن الحياة التي أوجدها الله سبحانه في الإنسان كانت المعادلة الإلهية ليس في قهر الغريزة إنما في تشذيبها و تهذيبها ، لتتوسط النفس في تناول الحياة و السعي نحو الأخرة لأنها دار القرار .
فإذا كان الله قد وضع في الإنسان حب الحياة و المال و الولد ، فقد أرشده أيضا إلى أن الباقبات الصالحات خير عند الله و أبقى .
قال الله تعالى :"المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و أملا"
(سورة الكهف آية 46)
أي الطاعة و العبادة و التسبيح و ذكر الله ، ذلك لأن هذا هو الباقي وأن ما دونه فان .
وقد حققت بعض الآيات الكريمة من القرآن الكريم أعظم معادلة و توازن للمؤمنين في الحياة الدنيا.
. . . لأن المؤمنين يعلمون حق العلم أنهم إذا عادوا إلى ربهم عادوا إليه راضيين مرضيين مطمئنيين بما وعد الله و ادَّخره لهم في الآخرة , ولأن في نفسهم دائما قوله تعالى :"يأيتها النفس المطمئنة * أرجعى إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * و ادخلي جنتي"
(سورة الفجر الآيات :27-30)
فهؤلاء لا يخافون من لقاء الله سبحانه و لا يكرهون لقاءه ، فليس مما كسبت أيديهم ما يغضب الله و يوجب عليهم العذاب .
...و مفترق الطريق الآخر الذي خسر فيه الإنسان نفسه في الدنيا و الأخرة بما كفر و عصى الله سبحانه ، و اطمأن للحياة الدنيا وفرح بها ، فهؤلاء يكرهون الموت كراهية شديدة و يكرهون لقاء الله تعالى كما قال تعالى في الحديث القدسي :
"إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه و إذا كره لقائي كرهت لقاءه"
{رواه البخاري ومالك عن أبي هريرة رضي الله عنه}
فتخرج نفسه كارهة خائفة مما ينتظرها من غضب الله سبحانه . . و هؤلاء هم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، فضلَّت قلوبهم و عقولهم سواء أكانوا كافرين أم مسلمين عصاة فكرهوا لقاء الله سبحانه فكره الله سبحانه لقائهم بما قدمت أيديهم من مفاسد و معاصٍ ، فخابت نفوسهم لأنهم دسوها في الآثام و الفواحش و الكفر بالله و آلائه و نعمه .
"وقد خاب من دساها" فكما أن النفوس الطاهرة تعود إلى بارئها راضية مرضية فكذلك أصحابها لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملائكة بالبشرى لا ينساهم الله من فضله . . كذلك النفوس الفاسدة تعود كارهة نسيهم الله من فضله فلا يذكرهم بخير في الآخرة ، و تعود نفوسهم خبيثة دنسة قال تعالى :
"فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون"
{سورة السجدة اللآية 14}
منقولة للإفادة من كتاب :.
الموت و عالم البرزخ